إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً رسول الله وعبده.
فإن خير الكلام كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. … في خِضَمِّ هذا الانفجار التكنولوجي الهائل الذي جعل العالَمَ -أجمع- لا أقول: قرية صغيرة، بل أقول:- غُرفة صغيرة!! نرى أنفسَنا لا نستطيعُ الإشاحةَ برؤوسنا عمَّا يجري في العالَم، وعمَّا يتداولُه الناس، وعمَّا يدور في المجالس!
نعم؛ فالكلمة التي تُقال هنا (!) اليومَ: تَصِلُ في اللحظة نفسِها -أو تكادُ- إلى الطَّرف الآخر من الكُرة الأرضية…
وليس هذا -في نفسه- بِسيِّئ -البتة-.. لا؛ بل هو أمْرٌ حَسَنٌ جدَّاً؛ بشرطِ أن يُضْبَطَ بضابطين:
الأول: أن يُنقل بدقَّة، دون تزيُّد أو ابْتِسَار!!
الثاني: أن يُفْهم كما أراده قائلُهُ، وبسياقهِ -نفسِه-؛ لا أن يُلْزَم بإلزامات هو منها بريءٌ، بل هو لها نافٍ وناقضٌ؛ بحيث تكونُ نتيجة كلامهِ (!) في عملية الإلزامِ تلك (!) كحاصِلِ نتيجة (1×1=13)!!!
وهاي هي ذي -والحمدُ لله- (أكثر) من رُبع قرن من السنواتِ تمرُّ بي وأنا أُعايشُ الدعوة إلى اللهِ -تعالى- ومع جميع أطيافها (!) واتِّجاهاتها؛ نقاشاتٍ، وردوداً، وحواراتٍ، وجدالاً…
واللهُ –جلَّ وعلا- يعلمُ أنّي لم أكُن يوماً مُتَلبِّساً بأيٍّ مِن تلكم الأفكار الدعويّة (!) المخالفة لمنهج السلَف الصالح؛ إذ إنِّي -والحمدُ للهِ- لم أفتح عينيَّ إلا على العقيدة الصحيحة، والمنهج الحقّ، والدعوة إلى الكتاب والسنّة، والعلم، وأهلهِ، ودُعاتهِ.
وربِّي -سبحانه- يقول: }وإن تعدُّوا نعمةَ اللهِ لا تُحصوها{، ويقول -عزَّ وجل-: }وما بكُم من نعمةٍ فمن الله{.
ولقد جاءَني -منذ بُرهة من الزمن- بعضُ المحِبِّين الأفاضل -ولا نُزكّيهم على الله- يَقترَحون عَلَيَّ إنشاءَ موقع لي على شبكة (الإنترنت)؛ ليكون صِلَةً بيني وبين إخواني -في أنحاء المعمورة- نتذاكر العلمَ، ونتواصلُ المعرفةَ، ونتعاون على طاعةِ اللهِ ورسوله:
فكنتُ -في أول الأمر- غيرَ مُتجاوبٍ مع هذه الفكرةِ، ولا مُتعاونٍ مع مُقترحيها؛ فاعتَذرتُ بلطفٍ، وانسحبتُ بهدوء!
ولم أنسَ -ولن أنسى- شكرَ هؤلاءِ الإخوةِ على حُسن نواياهم، وعلى جميل رغباتهم؛ فجزاهم الله خيراً…وبعد هذا العَرْضِ –قبل سنتين!- جاءَني إخوةٌ آخرون؛ يكرِّرن العرض العرضَ نفسَه، ويؤكدون لُزومَ التجاوبِ معه، والاستجابةِ له!!
ولقد كانت تلكما السنتان كافِيتين -لي- أن أعرفَ المزيدَ عن الإنترنت، وآثاره -حسنها وسيئها-…
ولم أنسَ -في شريط سَرْد ذكرياتي عن (الإنترنت) وآثاره- ذلك الشَّاب السلفيّ؛ الذي كان يواظب على مجالِس المشايخ السَّلفيِّين، ويأوي إليهم، ويتردَّد عليهم…
وكيف أنَّه اشترى جهاز كمبيوتر (!)، وسَرعان ما دخل عالم (الإنترنت) السحري (!)، وكيف أنَّه –وبمدّة قصيرة- صار مُشرِفاً (!) على بعض المواقع (!) السيَّارة (!!)، وكيف أنَّه – خلا هذه المدّة (!) تحوَّل من طالبٍ سلفيٍّ إلى (داعيةٍ) مُناقض للدعوة السلفيّة، ودُعاتها من شابٍّ حَييٍّ إلى مُعاندٍ شَقيٍّ!!
تَحوّل مِن الإصلاح إلى الفساد!!
وأيّ فساد أعظم مِن فساد الاعتقاد، والتَّصور، والمنهج!! سبحان الله!!
فمِن هنا -ومِن قَبْلُ ومِن بّعْدُ- نَحمدُ اللهَ -تعالى- ونُلِحُّ على أنفسِنا بالدعاء، والثبات -مَحُوطاً بهذا الحمدِ- أن يرزُقنا حُسنَ الختام؛ على كتاب الملك العلَّام، وسنّة نبيِّنا محمدٍ –عليه الصلاة والسلام-، وعلى منهج السلف الأعلام..
وفي سياق هذا الحمدِ –نفسه- أقول:
لم تكُن الدعوةُ السلفيّةُ -يوماً- دعوة تعصُّبٍ، أو تحزُّب، دعوةَ تَكديس (!)، أو تقديس؛ وإنَّما هي -دوماً- دعوةُ علمٍ وحُجَّة، دعوة بيِّنة وبُرهان، دعوة أخوة واعتصام:
ولقد كنتُ قلتُ -قبل نحو سنةٍ- في كتابي ((التنبيهات المتوائمة… في الرد على (رفع اللائمة)..)) (ص146-147) ما نصُّهُ:
((كان منَّا -ولله المنَّة- قَولٌ يَتكرَّر، وقاعدةٌ تتقرَّر؛ كلأنا بها أسْمَاعَ النّاس، وَنَثَرْنَاها في صَفَحاتِ كُلِّ قِرطاس –لتكون أعظمَ نِبراس-؛ وَهِي قَولُنا -بتوفيق ربِّنا-: المسَائِلُ الكِبَار لَيسَ لَهَا إلا العُلَماء الكِبَار…
وإذ نُؤكدُ هذِهِ القاعِدَةَ، ونُثَبِّتها، ونُرَسِّخها؛ فإنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيْنَا -والحمدُ للهِ-بشأنها- التَّفريق بين (التَّقديرِ)، و (التَّقديس):
فإنَّ (تَقديرًنًا) لِعُلَمائِنَا ومَشَايِخِنا حَتْمٌ واجِبٌ، وفَرْضٌ لازِمٌ؛ لا انفِكَاكَ لنا منهُ، ولا بُعْدَ لنا عَنهُ…
وهذا (التَّقديرُ) مَبعَثُهُ ودَافِعُهُ: المَنْهجُ العلميُّ المُنضَبِطُ، الجامِعُ بَيْنَ العِلمِ والحِلمِ، والحُجَّة والبُرْهَانِ.
وأمَّا (التَّقديسُ): فلا يَكونُ إلا لِنُصُوصِ الكَمالِ والعِصمةِ؛ مِن كِتابِ اللهِ –تعالى-، وَسنَّةِ رسُولِنا -صلى الله عليه وسلم-؛ فَهُمَا الأصلانِ العَظيمانِ، اللَّذانِ لا خَلَلَ فِيهما، ولا نَقصَ يَعتريهِمَا:
فـ(تَقدِيرُ) العُلَماء: قَائِمٌ على هَيبَة العِلم، وعِظَمِ قَدره.
و(تَقْدِيسُ) الحَقِّ: مبنيٌّ على كِبَرِ أثَره، وجَلالَةِ مَصدَرِه.
فَخَلطُ الأوراقِ، واضطِرَابُ الأولويَّاتِ: يُفسِدُ القضيَّة، ويُعظِمُ البليَّة)).
وأنَّه -على ضوءِ ذا- يأتيني عددٌ مِن الإخوة الأفاضل ببعض نُقول، أو أقوال -لبعض أهل العلم- فيها ردٌّ أو تعقُّبٌ -عليَّ أو على غيري-؛ فأنظر:
أين الدليلُ على هذا النقد؟
أين الحُجَّة على هذا الردّ؟!
أين البيِّنة على هذه الدعوى؟!
هل دعوتنا السلفيّة دعوةُ (نقد) بدليل؟ أم دعوةُ (نَقْد) بغير دليل؟!
وإلا؛ فالتسفيه: يقدرُ عليه كلُّ واحد…
والتشويه: يستطيعه الأقربون وكذا الأباعد…
ولكنْ؛ أين هذا –وذاك- مِن دُعاةِ السَّلفيَّة الأماجد؟!
ولئن خطَّأنا من يُخطِّئنا، ورَدَدْنا عليه قولَه، ولم نقبل زعمَه؛ لكنّ ذلك -بإذن الله- لن يجعلَنا نُعامِلُه بمثلِ ما عامَلَنا به؛ وبخاصَّةٍ مع مَن كانت له سابقةُ علمٍ وسنٍّ وفضلٍ في هذه الدعوة المباركة…
مع التنبُّه –والتنبيه- إلى أنَّ الأخذَ بالزلّة والزَّلتين –على اعتبارِ تحقُّقهِما- فعلاً! لا يكونُ -بِمجرّد- مسقطاً!! ولو كان لكان في المُنتقِد أولى من المُنتَقَد!!!
فـ: الحمدُ لله أنَّنا سلفيُّون:
لا حزبيُّون..
ولا عصبيُّون..
ولا عنصريُّون..
ولا مقلّدون..
ولا لغير الله مُقدّسون..
… اللهم -ربَّنا- ثَبِّتنا على هُداك حتى نلقاك؛ غَيْرَ مغيِّرين ولا مُبدِّلين…
وعليهِ؛ أقولُ:
إنَّ هذا الموقع -بمنَّة الله- سيكون واحةَ علمٍن لا ساحةَ حربٍ!!
فَمن عنده زهرةٌ يغرسُها: فنحن معه…
ومَن رأى شوكةً ينزعها: فدُعاؤنا له…
ومَن سعى إلى الهيجا بمحضِ الصِّياح فلسنا معه…
ومن لم يُميِّز مواقع الرمي والسِّلاح: فتسديدُنا إيَّاه…
كلُّ ذلك محوطٌ بـ:
الاعتصام، والتواصي، والتعاون…
ومن لا: فلا!!
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.